بين دفّتي كتاب: “ما بعد العلمنة والأسلمة”
بين دفّتي كتاب: “ما بعد العلمنة والأسلمة”*
مجلة الإصلاح الالكترونية بتاريخ 18 مارس 2016
صدر مؤخرا عن دار ورقة للنشر بتونس كتابا بعنوان “ما بعد العلمنة والأسلمة. مقاربات في الثورة والإسلام والحداثة” للصديق محمد القوماني. وهو كتاب من الحجم المتوسط (23/15) وعدد صفحاته 225. وقد احتوى على تسعة فصول مع تقديم للدكتور احميده النيفر ومقدمة وتوطئة للمؤلف. واحتفاء بهذا الإصدار وتعميما للفائدة تنشر مجلة الإصلاح توطئة الكتاب التي تقدم محتواه بقلم صاحبه. (التحرير)
اخترنا لهذه الباقة من النصوص عنوانا رئيسيّا “ما بعد العَلمنة والأَسلمة” قياسا على مقاربات “ما بعد الحداثة” في الفلسفة “الغربية”. فالغربيون أنجزوا حداثتهم التي كانت فتحا كبيرا لهم وللعالم في جميع المستويات، بينما نحن العرب طلبنا الحداثة فلم نحقّقها ووقعنا في تِيه ثنائية “العلمنة” و”الأسلمة” التي حكمت تحوّلات الفكر والسياسة لعقود طويلة في بلادنا العربية، وخلّفت معارك لم نستفد منها مطلقا. وها أنّ الاستقطاب الثنائي العلماني الإسلامي، يلعب دورا رئيسيا في العصف بثورات الربيع العربي ويفوّت على الشعوب العربية فرصة تاريخية استثنائية لدمقرطتها ولنهوضها. ولا مناص لنا اليوم من استعادة المبادرة والاستفادة من دروس الماضي المرير لتحقيق تطلّعاتنا في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة والرفاه والعالمية، إلاّ بتجاوز هذا الاستقطاب، وخروج الفكر العربي من التِيه الذي أوقعته فيه ثنائيّات عديدة كانت “العلمنة” و”الأسلمة” أبرزها.
وجعلنا لهذا الكتاب عنوانا فرعيّا“مقاربات في الثورة والإسلام والحداثة”. وهي “مقاربات” شخصية، تعكس زاوية نظر معيّنة، تتواصل مع مقاربات أخرى استفادة أو نقدا أو تطويرا، دون أن تدّعي في ذلك “فتحا جديدا” ولا “إعادة اكتشاف للقمر” كما يُقال، ولا امتلاك الحقيقة ولا التحدّث باسم مرجعية معيّنة. لذلك عمدنا إلى القطع مع عبارات وعناوين ألفناها على غرار “الإسلام والمرأة” و”الإسلام والحكم” و”موقف الإسلام من كذا” ونحو ذلك.
وهي أوّلا: مقاربات “في الثورة” التونسية أساسا وفي ثورات الربيع العربي عموما، التي منحت العرب فرصة تاريخية للقطع مع أنظمة الاستبداد والفساد والتبعيّة، وفتحت رغم عدم اكتمال حلقاتها، آفاقا عريضة للخروج من الاستثناء العربي ودخول عصر جديد من الديمقراطية والتنمية. غير أنّ تلك الثورات سرعان ما توقّفت للأسف مخلّفة حالة من الإحباط والعنف وأزمة ثقة بالنخب السياسية.
وهي ثانيا: مقاربات “في الإسلام”، لأنّها تتناول مواضيع ذات صلة بالإسلام، نصّا مقدّسا وتجربة تاريخية وتراثا فكريّا، باعتبار الإسلام عنصرا أساسيا في تشكيل هويتنا التاريخية العربية الإسلامية، وباعتباره موضوع قراءات مختلفة وتأويلات متعدّدة لذات النصّ وجدالا فكريّا لا ينقطع في الماضي والحاضر والمستقبل. ولأنّ قناعتنا راسخة بأنّ التوفّق إلى حلّ تاريخي لمسألة الإسلام والحداثة في مجتمعاتنا العربية، لا يقل أهميّة عن التوفّق في رفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
وهي أخيرا: مقاربات “حداثيّة”، أو “في الحداثة”، باعتبار الحداثة الغربيّة في نظرنا، مكوّنا أساسيّا من مكوّنات هويتنا الجديدة. فهي مقاربات مسكونة بروح التجديد والتنوير، تستحضر قضايا عصرنا ومعجمه وخطابه ومناهجه في المعرفة وفي التحليل، وتصدر عن نظرة تاريخية، لم تكن حاضرة في تراثنا الفكري، وعن وعي تاريخيّ كثيرا ما غاب في دراساتنا الحديثة.
وهذه المقاربات جميعا تدور حول بعض مشاغلنا الفكريةّ ذات الصّلة بالإشكالية المركزية في الفكر العربي الإسلامي الحديث والمعاصر، التي نحسب أنها شكّلت محور اهتمام النخب وأساس تباين المواقف والممارسة في المجتمع، لوقت طويل من محاولاتنا المتجدّدة في النهوض الحضاري، ونعني بها إشكالية “الإسلام والحداثة” أو “التراث والحداثة“. وهي بهذا المعنى انخراط في الصراع الفكري والثقافي الذي يشقّ مجتمعنا ومحاولة للتأثير الإيجابي في مساره.
والتراث هنا لا يعني الماضي المنفصل عن الحاضر ولا مخزون الآثار والكتب بالمتاحف والرفوف، بل يعني ما بقي من ماضينا في حاضرنا كمخزون نفسي وموجّه للسلوك، إنّه تراث حيّ في الأذهان ومؤثر في الواقع الحاضر، بما يجعل من المتعذّر القفز عليه أو القطيعة معه. وهو بهذا المعنى تراث عربي إسلامي بامتياز، تمحور وتشكّل تاريخيا حول الإسلام وكُتب بلغة عربيّة. وإنّ التجاوز الإيجابي لهذا التراث، لا يتمّ إلاّ بتجديده، وليس بتكراره أو استبداله بتراث غيره. فأن نجدّد تراثنا يعني أن نمتلكه بمختلف أبوابه ومواضيعه، ونحقّقه في واقعه وسياقاته، ونبيّن بالتالي تاريخيّته، لنكشف عن حاجة واقعنا إلى اجتهاد جديد. ونفس المنهج مطلوب أن نسلكه في التعاطي مع الحداثة والثقافة الغربية. بالانتقال من ذهنية الرفض والقطيعة، أو الاستهلاك السلبي والتبعيّة، إلى ذهنية الاستيعاب والنقد والتجاوز، بالكشف عن محلية الثقافة الغربية وبيان تاريخيتها وحدودها أيضا. والتجديد بهذا المعنى يمكّننا من الحفر في ماضينا والقضاء على معوّقات حاضرنا في جذورها النفسية والتاريخية، ومن تحقيق حداثتنا من موقع الإبداع لا الاتّباع.
وقد حرصنا على أن تكون عناوين فصول الكتاب مرتّبة ومتنوّعة بما يجعلها وفيّة للعنوان الرئيسي من جهة، وبما يجعلها تغطّي كبرى مواضيع إشكالية “الإسلام والحداثة” من جهة ثانية. فقدّمنا الرّاهن على الماضي والمستقبل، وتناولنا في الفصل الأوّل “سرديّة الثورة: الفُرص المهدورة والمواطنة المتعثّرة” لنحفر في جذور الاستقطاب العلماني الإسلامي ولنكشف عن مسؤوليته في إهدار فرص عديدة في تاريخنا الحديث والمعاصر ومسؤوليته خاصّة في إهدار ثورات الربيع العربي الجديدة وتسهيل مهمّة المتربّصين بها في الداخل والخارج.
وسعيا إلى فتح آفاق وتقديم مقترحات عمليّة من أجل مستقبل أفضل، شدّدنا على ضرورة تجاوز ثنائية “الأسلمة” و”العلمنة” وغيرها من التصنيفات “منتهية الصلوحية” التي لم تعد تستوعب المرحلة. ودعونا إلى جعل تفعيل المواطنة المتعثّرة في ربوعنا، أولويّة وأرضية نظرية وعملية جامعة، حتّى تكون المواطنة أساس الانتماء للدولة وقاعدة التعامل في العلاقة بين الحكّام والمحكومين، على غرار ما تحقّق للأوروبيين وغيرهم، وحتّى تكون تلك الأولوية عنوانا وجسرا لتأسيس ديمقراطية ما بعد العلمنة والأسلمة.
وإسهاما في بلورة خطاب مساعد على تجاوز سلفيّة خطاب “العَلمنة” و”الأَسلمة” والخروج من حالة الاستقطاب الحادّ، اجتهدنا في إثارة بعض مشكلاتنا الفكرية التي رأينا أنّها ما زالت تشكّل محاور جدال وخلاف وتجاذب خلال سنوات ما بعد الثورة، على غرار قضايا “العقل والوحي” و”الدّين والتديّن” و”الإسلام والسياسة” و”القوانين الوضعيّة والأحكام الشرعية” و”الهوية والحداثة” ونحوها. وقد سلكنا في مقاربتها منهجا مغايرا.
فخصّصنا الفصل الثاني للقرآن باعتباره آخر صيغ الوحي الإلهي، والنصّ المرجعيّ الأساسيّ للإسلام، مبرزين “القرآن هاد للعقل لا وصيّا عليه”. فقد كان الوحي عبر التاريخ مواكبــــــا لتطــــور وعـــي الإنســـان، حتى اكتماله ونضجه واستقلاله. وجاء القــرآن مُعلــنا استقـــــلال العقــــل وتوقّف الوحــــي نهائيــــا. ولأنّ الإنسان/ الخليفة في التصوّر التوحيدي للوجود يظلّ مشدودا إلى مُستخلِفه وهو الله تعالى، حتّى لا يؤله الإنسان نفسه فيتنكّر لأصله ويحاول عبثا تجاوز حدوده فيطغى، فإنّ اعتماد العقل أساسا للتكليف وأداة للمعرفة والتمييز وحجة يقينية لا يعني انفصاله عن الوحي، إذ يظــــّل القرآن إطارا نظريا عاما للعقل ينطلق منه أو يعود إليه، ليهتدي به دون أن يتخلّى عن دوره الأساسي.
وفي ضوء هذه القراءة التاريخية للوحي ولخصوصية التصوّر التوحيدي للوجود، دعونا إلى بناء وعي تاريخي من خلال دراسة تعاقب الرسالات وفلسفة الوحي، وإلى تجديد رؤيتنا للقرآن وللتعاطي معه، وإلى اعتماد خطاب يغتني من قيم الإسلام الخالدة وتعاليمه السمحة ومن معاني كلمات القرآن العظيم المتجدّدة وينفتح على ثقافة العصر ومناهجه، في بناء الإنسان وفي الانخراط في الحداثة من موقع الإبداع لا الإتباع.
وجعلنا عنوان الفصل الثالث “التوحيد أساس للتصوّر وموجّه للسلوك”. إذ التوحيد أوّل أركان الإيمان وأوّل قواعد الإسلام وأهمّ أصول الدّين، وليس علم أصول الدّين القديم إلاّ جزءا من تراثنا الفكري الذي يجب أن يشمله التحيين والتحديث، في إطار إعادة النظر في فهم العقيدة وكيفيّة تبويبها وتقديمها وربطها بتحدّيات الواقع. حتى تكون “العقائد” منطلقات للتفكير وبواعث على السلوك وحتّى تتحول إلى تصورات تساعد على تحقيق أهداف الأمّة.
وسلّطنا النظر في الفصل الرابع على موضوع “المساواة بين النساء والرجال والحاجة إلى تطوير التشريعات ـ الطاهر الحدّاد رائدا ـ” والذي بيّنا فيه أنّ هذا المصلح التونسي الطاهر الحدّاد صاحب قراءة جديدة للإسلام وللتشريع الإسلامي خصوصا، من خلال فكرته في التمييز بين المقاصد الشرعية الثابتة والأحكام العارضة المتغيّرة، ومن خلال نقده للمُدوّنة الفقهية في الأحوال الشخصية والتي ليست معبّرة بالضرورة عن الشريعة، وبيانه أن تراث السلف ليس ملزما للخلف. وبذلك فتح الطاهر الحدّاد بابا لم يُغلـــــق. و جرأ على موضوع بات اليوم أكثر إلحاحا. وقدّم مقاربة ما أحوجنا إليها اليوم وسط سجالات نزعات “العلمنة” و”الأسلمة” التي تكرّس الانقسام والاستقطاب. ولا تساعد على التقدّم بالحلول المناسبة لمشكلاتنا الحقيقيــــة.
وفي الفصل الخامس تناولنا موضوع العلاقة بين الدين والسياسة الذي تنقسم حوله النخب ولا يتوقّف فيه الجدال. فعبّرنا عن مقاربة مخصوصة بعنوان “من الخلافة الراشدة إلى الجمهورية الديمقراطية”. شدّدنا فيها على أنّ التمييز بين “الدين” و”الدولة” لا يعني ضرورة، بل لا يبرّر أصلا، الفصل المستحيل بين الديني والدنيوي أو الإسلام والسياسة.
فمن المهمّ التنبّه إلى خصوصيّة النظرة الإسلامية إلى أعمال الإنسان، باعتبارها في ذات الوقت دينية ودنيوية. وخلصنا إلى أنّ ما يتطلّع إليه غالبية المسلمين اليوم من نظام سياسي قوامه الحرية والمواطنة والعدل والفصل بين السلطات واحترام حقوق الإنسان والتداول على الحكم من خلال انتخابات دوريّة، هو الحكم الصالح/ الرشيد، الذي نصطلح عليه حديثا بالنظام الديمقراطي. وهذه المبادئ التي تُعدّ من إبداعات عصرنا ومكاسبه، لاغرابة في أن يخلو منها تراثنا السياسي أو أن لا يقوم عليها نظام الخلافة في تجربتنا التاريخية، لكن المهمّ أنّه لا توجد في نصوص الإسلام التأسيسية أو في تعاليمه ومبادئه، ما يناقضها أو يمنع تحقّقها في ربوعنا، خاصّة إذا استحضرنا مرونة النصوص التأسيسية ذات الصّلة.
وقد ضربنا في الفصل السادس مثالا تاريخيا شاهدا على الترابط بين العقائد والمواقف وعلى العلاقة التي لا تنفكّ بين الإسلام والسياسة. فبيّنّا أنّ “الأصول الخمسة للمعتزلة: صياغة دينية لمواقف سياسية”. وهذا ما دلّلنا عليه من خلال الكشف عن النشأة السياسية لفرقة المعتزلة وانخراط أعلامها في الصراعات السياسية التي واكبوها. وكذلك من خلال تحليل الأصول العقائدية الخمسة للمعتزلة وبيان خلفياتها وأبعادها السياسية. فقد كانت الأصول الخمسة، أصولا للدين وأرضية فكريّة وسياسيّة انطلق منها أعلام المعتزلة للمشاركة في الثورات ضد الحكّام الظلمة، واستشهدوا في سبيل ذلك.
ولأنّ العبادة في الإسلام تختزل الأبعاد الروحية والعملية للعقيدة النظرية، كما تشكّل أحكام العبادات جانبا مهما من الفقه الإسلامي التطبيقي، فقد خصّصنا الفصل السابع تحت عنوان “العبادة طريق إلى الكمال الذاتي والاجتماعي” لنبيّن أنّ التوحيد كما أنّه أساس العقيدة الإسلامية وعمودها الفقري، فإنّ العبادة هي صورة الإسلام والتجسيم العملي لمعاني التوحيد. وهي المُحقّقة للمقصد من خلق الإنسان واستخلافه في الأرض. فهي في شموليتها ومرونتها ومقاصدها عبادة من أجل الحياة وليست مصادرة لها أو تضييقا عليها كما يذهب الظنّ بالبعض.
وبقدر ما كانت الفصول السابقة محاولة في بلورة خطاب مختلف في تناول قضايا الإسلام والحداثة، خارج سلفيّة خطاب “العلمنة” و”الأسلمة”، فإنّنا اعتمدنا ما ورد في تلك الفصول، خلفية لمناقشة خطاب حركة النهضة بتونس وتيّار الهوية عموما، من أجل فتح آفاق جديدة على هذا المستوى.
فخصّصنا القول في الواقع التونسي، وجعلنا الفصل الثّامن “من جماعة سرّيّة إلى حزب في الحكم: حركة النهضة تتطوّر سياسيّا وتتردّد فكريّا” مناسبة لإبراز خصوصيّة التيّار الإسلامي في تونس وإسهامه في المشهد الوطني. وتتبّعنا تطوّر المعجم السياسي لحركة النهضة ونقدنا رؤيتها الفكريّة ومنهجها الأصولي. وخلصنا إلى التأكيد على أنّ حركة النهضة التي تشكّل أحد أهمّ الأحزاب السياسية التونسية اليوم، والتي تتبنّى في خطابها الجديد كثيرا ممّا كانت ترفضه من الخارجين عنها من “الإسلاميين التقدميين” وغيرهم، تبدو بحاجة أكثر من أيّ وقت مضى إلى وثيقة فكرية جديدة تعوّض وثيقة “الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة النهضة” المعتمدة منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، حتّى يحصل الانتقال الواعي والمؤسساتي للحركة من “جماعة دينية” إلى “حزب سياسي”، ومن معارك “الدفاع عن الإسلام” إلى معارك ضمان حقوق الإنسان وبناء الديمقراطية وتحقيق التنمية العادلة والشاملة.
وختمنا بفصل تاسع جامع بعنوان “تيّار الهوية: من مهام الدفاع إلى متطلبات البناء ومن الاجتهاد إلى التجديد”، وبيّنا فيه أنّ من خاضوا معارك الدفاع عن الهويّة، من روافد مختلفة، في الفكر العربي الحديث والمعاصر، وحققوا نتائج هامّة، خلال العقود الماضية، لابدّ أن يملكــوا القدرة على خوض المعارك الجديدة اليوم، في البنــــاء الذي باتت تستوجبه المجتمعات العربية والإسلامية. ونعني البناء الثقافي والاجتماعي والاقتصــــادي والسياسي والمؤسساتي من أجل تنمية بشرية شاملـــــة وتقدم حضــــاري ضد كــــل مظاهر التوقــــف والتخلّف، ومن أجـــل كسب رهانات الوحدة والديمقراطية والتحرر الكامل. فالفارق بين مرحلتــــي الدفاع والبناء يبدو جوهريا، وعليه فإنّ تغييرات جوهرية لا بدّ أن تحدث في الأولويات وفي المناهج أيضا.
كما بيّنا فيه من جهة أخرى، أن لا جدوى من الاستمرار في الدعوة إلى استئناف الاجتهاد واعتماده، للقضاء على مخلفات الانحطاط ولتحقيق النهضة من جديد، ما دام مفهوم الاجتهاد متّصلا بالتشريع فقط، ويكرّس نظرة محلّية وقوميّة للإسلام، ويطمس عالميّتة، ولم يخرج عن الإفتاء في القضايا المُستحدثة، ضمن أرضية أصولية قديمة وآليات تفكير تقليديّة. وأنّ المسائل التي تثير الجدال اليوم، لا يمكن أن نجيب عنها، انطلاقا من نظرتنا القديمة للاجتهاد، ولا من مجرّد دفاعنا عن هويتنا، وإنّما من خلال فكر عربي إسلامي تجديدي في شُعب المعرفة المختلفة، لا يعيد بناء العلوم القديمة، بل يبدع ويؤسس علوما جديدة ويرتقي إلى المساهمة العالميّة.
عسى الله تعالى أن يوفّقنا إلى تقديم الإضافة وبلوغ المقاصد. ومهما يكن في اجتهادنا من نقص أو اختزال مُخلّ أو إغفال لبعض الجوانب الهامة، فإنّنا نظلّ بحاجة إلى مثل هذه المحاولات في الحوار من خلال تدوين المواقف والأفكار.
محمد القوماني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*صدر بالعدد 104 من مجلة الإصلاح الالكترونية بتاريخ 18 مارس 2016