حزبنا وسطي ونعارض «النهضة» لكننا مستعدون للتعاون معها

جريدة الشرق الأوسط، لندن

بتاريخ 25 أفريل 2011

أجرى الحوار في تونس المنجي السعيداني

محمد القوماني ، كان واحدا من قيادات «الحزب الديمقراطي التقدمي» التونسي، منذ سنة 2001 إلى سنة 2009، عندما انسحب منه احتجاجا على ما سماه «مغامرات» زعيم الحزب أحمد نجيب الشابي، وميله إلى التصادم المباشر مع نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. كان القوماني دائم البحث عما يسميه «صيغا أفضل لكسر الانغلاق السياسي» الذي فرضه بن علي وانعكس على الأحزاب السياسية التونسية.

القوماني يبتعد عن الشطط ويقول إنه من مساندي التيار الوسطي، وهو إسلامي، لكنه ينشط بعيدا عن حركة النهضة الإسلامية، ويختلف مع الأحزاب اليسارية التي قد تهدد الهوية العربية الإسلامية للبلاد. أسس القوماني حزب الإصلاح والتنمية بعد الإطاحة بنظام بن علي، ويقول إنه تيار وسطي ولكن التيارات التي تركب الوسطية تعددت وتنوعت في المشهد السياسي التونسي مما جعل إمكانية التميز السياسي صعبة على بعض الأحزاب الجديدة ومستحيلة على البعض الآخر. القوماني يقول إنه يعارض حركة النهضة في توجهها وميلها إلى الإسلام السياسي، ولكنه كذلك لا يرى مانعا من التنسيق والتعاون معها بالإضافة لبعض الأحزاب الأخرى المعروفة بابتعادها عن خيار الهوية العربية الإسلامية وجعله خيارا ثانويا. كل هذه الأسئلة طرحتها «الشرق الأوسط» في تونس العاصمة على محمد القوماني الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية.

فكان الحوار التالي:

* هل كان أعضاء تيار الإصلاح والتنمية ينتظرون أن تتم الإطاحة بنظام بن علي بهذه السرعة؟

– على المستوى الشخصي، لم أكن أنتظر الثورة التونسية بالصيغة التي حصلت، ولكننا أكدنا في وثائق كثيرة ومناسبات سياسية مختلفة، على أن الإصلاح ضروري جدا ومن الأفضل أن يأتي من السلطة وبإرادتها وأن تبحث عن توافق في هذا الشأن مع مكونات المجتمع المدني التونسي حتى يكون الإصلاح دون تكلفة باهظة. وكنا لا نستبعد أن ترغم السلطة على هذا الإصلاح ولكن الرئيس المخلوع كان يمارس سلطة منغلقة جدا ولم يتفاعل مع الساحة السياسية، لذلك جاءت الثورة لتكشف المستور وتتوج تراكما من الظلم الذي طال جميع الفئات والأوساط، وكما هائلا من الفساد الذي استشرى في مختلف القطاعات واكتوى به التونسيون جميعا، وهذا الحكم الفردي هو الذي جعل بن علي يواجه انتفاضة التونسيين بمفرده.

* وما هي الأسباب العميقة حسب رأيكم التي دعت إلى الإسراع بنهاية حكم بن علي؟

ـ أعتقد أن الظلم والفساد والحكم الفردي، هو المثلث الذي عجل بإنهاء حكم بن علي. ولكن جذور هذه الثورة تعود إلى ما راكمته أجيال تونسية كثيرة وأطراف سياسية وحقوقية مختلفة من فضح نظام الفساد والاستبداد، مما أدى لاهتزاز الصورة العامة للحكم في تونس. فانتفاضة الوسط الغربي أسقطت في ظرف وجيز الحملة الدعائية لنظام بن علي التي تقوم على عبارات «نجحنا ورضي الناس وشهد لنا العالم وسنواصل». اكتشفنا بعد الثورة أن الشعب لم يكن راضيا والنجاحات الاجتماعية والاقتصادية بدت هشة والخارج سرعان ما رفع الغطاء عن بن علي ليجعله يواجه مصيره بمفرده.

وكان فرار بن علي مفاجئا ولكنه كان سريعا، مما جنب البلاد تكلفة المواجهة الباهظة الثمن التي نراها حاليا في بعض الثورات العربية.

* وكيف أمكن لكم تكوين حزب التنمية والإصلاح؟

ـ الحزب يعود تشكله في نواته الأولى إلى الانتخابات البرلمانية لسنة 2009. فقد تقدمت قوائم مستقلة تحت اسم «الإصلاح والتنمية» وضمت حينها كوادر سياسية واجتماعية سبق لها أن انسحبت من قيادة الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يتزعمه أحمد نجيب الشابي. المشاركون في تلك القوائم التي تقدمت للانتخابات البرلمانية واصلوا أنشطتهم السياسية باسم تيار «الإصلاح والتنمية» ضمن تحالف «المواطنة والمساواة» الذي ضم حزبين قانونيين هما حركة التجديد، والتكتل من أجل العمل والحريات، إلى جانب حزب العمل الوطني الديمقراطي غير المعترف به في وقتها، ومجموعة هامة من المستقلين. وبعد ثورة 14 يناير ارتفع منسوب الاستعداد للعمل السياسي بين التونسيين وأصبحت حرية التنظيم ممكنة فتوسعت المجموعة وتحاورت فيما بينها لتشكيل الحزب الجديد المنتشر في 16 ولاية (محافظة) إلى حد الآن، وحزب الإصلاح والتنمية ممثل في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة ضمن 12 حزبا موجودا في هذه الهيئة.

* كثيرة هي الأحزاب السياسية الجديدة بعد الثورة التي ترفع شعاري الإصلاح والتنمية، ما الذي يميز حزبكم عن تلك الأحزاب؟

ـ حزبنا حزب وسطي متجذر في الهوية الوطنية العربية الإسلامية لتونس ويتحرك بروح العصر ولا يرى تناقضا بين الهوية والحداثة، وهو بهذا المعنى يتجاوز الاستقطابات الآيديولوجية ويرفض التصنيف النمطي القائم على أسس آيديولوجية وهو من الناحية الاجتماعية ينحاز إلى العدالة وإلى مطالب الشعب وينادي بحسن توزيع ثمرات النماء وضمان تكافؤ الفرص وواجب التضامن بين التونسيين. حزب الإصلاح والتنمية يعتبر نفسه تواصلا لإسهامات من سبقونا في الإصلاح من التونسيين مثل خير الدين التونسي وعبد العزيز الثعالبي والطاهر الحداد والطاهر بن عاشور وفرحات حشاد وهو حزب يستلهم من تراثنا المستنير وينفتح على المكتسبات الإنسانية.

* هل تعتبرون أن حزبكم إسلامي؟

ـ حزبنا ينطلق من خلفية تجديدية تنويرية تحررية تعتبر أن الانطلاق من البيئة الثقافية المحلية شرط أساسي لنجاح محاولات التحديث. وهو بهذا المعنى يتميز عن حركات الإسلام السياسي التي تبدو بالنسبة لنا محافظة بدرجات متفاوتة. كما يتميز عن تيارات التحديث سواء كانت ليبرالية أو يسارية التي تعاني حسب رأينا من توتر غير خاف مع الإسلام والثقافة المحلية. نحن نعتبر أن الإسلام أرضية مشتركة بين التونسيين ولا نرى أي داع لمراجعة هذا المعطى الأساسي في حياة كل الناس.

* هل تلتقون في بعض النقاط مع حركة النهضة الإسلامية؟

ـ نحن ضد حركة النهضة ولكننا مستعدون للتعاون معها.

* كثيرة هي الأحزاب التي تصنف نفسها في إطار وسطي. ألم تعملوا على خلق قطب يجمع تلك الأحزاب؟

ـ نحن نتابع أرضيات الأحزاب السياسية الجديدة ذات الطابع الوسطي التي لها أهداف تتقارب معنا وقد تمكنّا من حصر نحو عشرة أحزاب إلى حد الآن. هذه الأحزاب سندخل معها في حوار معمق بدأناه يوم السبت 23 أبريل (نيسان) وسنبحث معها صيغ التعاون في مواجهة الاستحقاق الانتخابي للمجلس الوطني الانتخابي، وربما تتطور العلاقة إلى أكثر من ذلك إذا توفرت الإرادة والأرضية، إذ لا ننسى أن المرحلة السابقة قد اتسمت بالانغلاق ولم تتح التعارف الأدنى الذي يسمح باتخاذ موقف نهائي من هذه الأحزاب المعلنة. كما أننا لا نستبعد التعاون مع أحزاب قائمة وموجودة قبل 14 يناير (كانون الثاني)، بصفة قانونية أو غير قانونية. وتشمل القائمة الأولية للأحزاب الممكن التعاون معها التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهورية وحركة النهضة، وتبقى القائمة مفتوحة.
* وهل هناك أمل في نجاح مثل هذه التحالفات والحال أن معظم المحاولات في عهد بن علي كانت فاشلة؟

ـ لعل من أسباب تشظي الأحزاب سابقا وكثرة المستقيلين والمنسحبين منها هو ضعف الديمقراطية في صفوف تلك الأحزاب وهذا ما نعمل على تجاوزه في رؤيتنا التنظيمية للحزب التي تستبعد القيادة الفردية و«المشيخة» (نسبة إلى الشيخ فلان) وتعطي استقلالية كبيرة لعمل الجامعات بالدوائر الانتخابية وترسخ المشاركة والتشاور الواسع عبر هياكل وسطى تجمع بين الانتخاب والتمثيل الجهوي وهذا ما سنزيد تعميقه في المؤتمر الأول للحزب المزمع تنظيمه مطلع سنة 2012. أما بالنسبة لنجاح تجارب التحالف وخلق جبهات سياسية، فإن الأمر موكول لقيادات الأحزاب التي يتعين عليها أن تتفق على الحدود الدنيا للتعامل السياسي، وهذا في المرحلة الحالية قد يكون مفيدا للجميع وخاصة الأحزاب الجديدة التي تبقى في حاجة لتجربة من سبقها إلى ميدان العمل السياسي.

* وما رأي حزبكم في مبدأ التناصف للترشح لانتخابات المجلس التأسيسي بين النساء والرجال؟

ـ نحن صوتنا لصالح الفصل 16 الداعي إلى التناصف لأننا نؤمن بهذا المبدأ الذي يدفع بالمشاركة السياسية للمرأة ويمكنها من خطوة عملاقة رغم صعوبات المرحلة الانتقالية.

* وهل يمكنكم ترشيح العدد الكافي من الكفاءات النسائية في الدوائر الانتخابية التي ستدخلونها؟

ـ سنعمل على أن تكون قوائمنا في انتخابات المجلس التأسيسي مستوفية لشرط التناصف والتناوب بين الجنسين، ولنا من الكفاءات النسائية ما يمكن من الاستجابة لهذا الشرط.

* كيف تلقى حزبكم قرار حل التجمع الدستوري الديمقراطي؟

ـ استبعاد رموز الاستبداد في المرحلة السابقة من الترشح لانتخابات المجلس يبدو أمرا مشروعا، وهو استجابة لإرادة غالبية التونسيين الذين انتفضوا ضد السلطة السابقة وضد حزبها الحاكم. وهذا في نفس الوقت إجراء حمائي في مرحلة انتقالية وهو يخص مبدئيا الترشح للمجلس التأسيسي ولا نرى مبررا للتهويل الذي ينعته البعض بالإقصاء وهو في الحقيقة يشمل عددا محدودا من المسؤولين سيتم ضبط قائمة بشأنهم في أمر تصدره رئاسة الجمهورية المؤقتة.

* لماذا تأخرت عملية إقصاء الحزب الحاكم إلى هذا الحد، وهل هناك خوف حقيقي من إمكانية عودتهم إلى السيطرة على الساحة السياسية؟

ـ كان من الأجدر أن تتحمل السلطة السياسية مسؤولية ضبط قائمة مضبوطة برموز الاستبداد والتنصيص على تجميد نشاطهم السياسي بصفة مؤقتة في انتظار العدالة على غرار ما فعلت الحكومة المؤقتة بالنسبة لقائمة الأفراد الذين تمت مصادرة أملاكهم ووضعها تحت الحراسة القضائية. ولكن هذا الأمر لم يحصل، مما جعل المسألة تقرأ على وجوه عديدة، ولعل هناك في أعلى هرم السلطة من لا يزال يعتقد في إمكانية رجوع حزب بن علي، ولكن التاريخ علمنا أن عقاربه لا يمكن أن تدور إلى الوراء.

* سنة 2009 غادرت الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يتزعمه أحمد نجيب الشابي بعد أن كنت أحد مؤسسيه وأحد أهم مناضليه، ما الذي ما زلت تذكره عن الحزب وهل هناك إمكانية للتنسيق بين حزبيكما اليوم بعد أن تغيرت الأحوال؟

ـ لقد أغلق الشابي أبواب التنسيق مع كافة الأحزاب بإعلانه المبكر قرار الترشح ضمن قوائم حزبية في جميع الدوائر. وفيما عدا ذلك، قد تتوفر سياقات للتعاون ونحن بصفة عامة في حزب الإصلاح والتنمية نؤمن بالمنافسة السياسية ونستبعد الإقصاء والعداوة. أما عن أسباب الخلاف مع الحزب الديمقراطي التقدمي فقد كان لها سياقاتها الخاصة التي تختلف عما نحن بصدد القيام به اليوم ونشير إلى أن مؤسسي حزبنا أغلبهم لم يخوضوا تجربة حزب الشابي ولم ينتموا إليه في السابق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

*حوار منشور بجريدة الشرق الأوسط في عدد الإثنين 25 أفريل 2011 ص11

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: