اعتقال مجموعات من الشباب بتهمة ” الإرهاب ” يطرح أسئلة محيرة

اعتقال مجموعات من الشباب بتهمة ” الإرهاب ” يطرح أسئلة محيرة

جريدة الموقف بتاريخ 17 جوان 2005

 

في الوقت الذي تتكثف فيه الجهود من اجل إطلاق سراح المساجين السياسيين بتونس ويكثر عدد المتفائلين بقرب انفراج مأساة خصوم السلطة في التسعينات وغلق ملف حركة النهضة المحظورة سياسيا ، يبدو أن ملفا آخر يفتح وتتضخم أوراقه بسرعة وتتسع دائرة المعنيين به مع الايام .

فبعد حاكمة ما بات يعرف ” بشبان جرجيس ” و ” شبان اريانة ” وإصدار أحكام ثقيلة بالسجن في شأنهم على خلفية دخولهم لمواقع على الانترنت ذات صلة بالحركات الجهادية وربما التفكير بالالتحاق بالمقاومة في فلسطين ، جاءت محاكمة المجموعة الأولى من شبان بنزرت وولايات أخرى بمقتضى فصول من قانون 10 ديسمبر 2003 لمكافحة الإرهاب ، على خلفية نية هؤلاء الشبان ورغبتهم في الالتحاق بالمقاومة المسلحة بالعراق . وقد نال اغلب المتهمين أحكاما نافذة بالسجن مدة ثلاثين سنة وغرامة مالية كبيرة . ومن بعد هذه ” المجموعات ” تتواتر الأخبار يوميا تقريبا عن مداهمات ليلية و إعتقالات وإحالات على محاكم التحقيق لعدد من الشبان من مختلف الولايات على ذات الخلفيات السابق ذكرها . والمؤكد حسب بعض المعلومات التي أفادت بها عائلات المتهمين ومحاموهم أن المطلوبين والموقوفين دائما هم من صنف الشباب ـ بين العشرين وربما اقل والثلاثين من العمر ـ وان المحجوزات في كل الحالات أجهزة كمبيوتر وهواتف جوالة وأقراص ليزرية ممغنطة. وان هؤلاء الشبان من رواد المساجد، وان معرفتهم ببعضهم غير مؤكدة، وأن محاضر البحث الابتدائي تشير إلى صلتهم ” بالسلفية الجهادية “. وان من يتهمون برئاسة المجموعات طلاب بالجامعة من اختصاصات علمية في الغالب.

وبصرف النظر عن حقيقة التهم المنسوبة لهؤلاء الشبان ومدى ثبوتها عليهم ، وعن مدى احترام القانون في ظروف الاعتقال والإيقاف والتحقيق، وعن توفر شروط محاكمة عادلة لهم . وبصرف النظر عن خلفيات قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال ومدى دستوريته وخطورته على الحريات المكفولة في المواثيق الدولية. وبصرف لنظر عن الحوار الذي يمكن أن ينشأ حول حق المقاومة وواجب التضامن مع الأشقاء في فلسطين والعراق . وبصرف النظر عن موضوعات فرعية عديدة تتصل بهذه المحاكمات، فان ما يشغلني في هذا المقال وما أرى التونسيين جميعا معنيين بالاهتمام به من موقع المسؤولية تجاه مستقبل الوطن والأجيال، وما أروم تسليط الضوء عليه بهذه المناسبة هو ما اختزله في الهواجس والأسئلة المثيرة التالية :

هل يبدو طبيعيا أن تأخذ شريحة من الشباب التونسي في هذه المرحلة اتجاها سلفيا لم نعرف له سابقة ببلادنا ؟ ولماذا يتعاظم في بلادنا عدد الشباب ذوي النزعات السلفية الجهادية ؟ وكيف نقيم نتائج إصلاح التعليم والمنظومة التربوية والأسرية والإعلامية والثقافية والسياسية التي أطلقت في بداية التسعينات تحت شعار ” استئصال التطرف ” ونشر العقلانية والتسامح والاعتدال والتفتح عل الحضارات الإنسانية ؟ أليس هذا الشباب أولى حصاد تلك الحقبة من الإصلاحات ؟ هل تنشر الحكومة تقارير شفافة وتقدم إحصائيات ذات مصداقية عن عدد هؤلاء ومصادر تكوينهم وهل تطلب من أهل الاختصاص البحث في مثل هذا الموضوع ؟ هل يتوفر مجتمعنا على ّ” قامات “أو شخصيات فكرية أو شيوخ دين أو أئمة مساجد أو مربين يتمتعون بالمصداقية والإشعاع والقدرة على الإقناع بما يؤهلهم للتأثير في مثل هؤلاء الشباب ومقابلة ما يتلقونه عبر الفضائيات ووسائل الإعلام الحديثة المختلفة وملء الفراغ وإحداث التوازن ؟ أين فضاءات الحوار الحر لمقارعة الأفكار المختلفة والإجابة عن أسئلة الشباب دون ” ماكياج ” والتصدي لما يبدو لنا غريبا عن بيئتنا أو خطرا على أجيالنا أو تطرفا في ديننا أو استغلالا في غير محله لحماس شبابنا وذلك بقوة الحجة وليس بحجة القوة ؟

وإذا كان المتهمون في مثل هذه القضايا من رواد المساجد ومن ذوي النزعات الإسلامية في توجهاتهم أفما آن الأوان لنتساءل غيرة وحسرة ومسؤولية عن حقيقة الخطاب الديني المسوق في وسائل مساجدنا ووسائل إعلامنا ورداءته وترهله وعجزه عن النفاذ لعقول الشباب وبالتالي التأثير فيهم ؟ وهل استطاعت وزارة الشؤون الدينية المحدثة في بداية التسعينات والهياكل الأخرى المختصة في البلاد أن تؤسس خطابا دينيا متميزا ومقنعا في مواجهة خطاب الحركة الإسلامية ؟ أفليس من شروط السياسة الثقافية الناجحة أن تستجيب لتطلعات الشرائح الشبابية المختلفة وتلبي احتياجاتهم بما في ذلك الشريحة الهامة من رواد المساجد وذوي الاهتمامات الدينية ؟ وإذا كان الحديث عن الخطاب الديني قد فرضه السياق في هذا الموضوع فان أسئلة ذات الصلة تمتد أخرى ومستويات مختلفة متداخلة في الموضوع. من ذلك التساؤل عن أسباب عزوف الشباب عن الانخراط في الجمعيات المستقلة وأحزاب المعارضة وخوض تجربة العمل السياسي السلمي من أجل الديمقراطية والتنمية في الداخل والتفكير بدلا عن ذلك في الانخراط ي الجهاد المسلح ضد الاحتلال في الخارج ؟ وبماذا نفسر تعدد حالات اتهام تونسيين بالخارج في قضايا توصف بأنها إرهابية في حين تباهي الحكومة التونسية بنجاحها في استئصال شافة التطرف والإرهاب ؟ وهل ينسجم مثل هذا الادعاء مع حملة الإيقافات الأخيرة وتعدد المحاكمات لمجموعات شبابية توصف بالإرهاب ببلادنا ؟ وأي مصلحة يقتضيها الاستمرار في مثل تلك المحاكمات ؟ وهل تبرر مجرد النوايا مثل تلك الأحكام الثقيلة بالسجن النافذ ؟ وما هي حدود المعالجة الأمنية لمثل هذه الظواهر أن تأكدت ؟ أفلا يخشى الخلط بين مثل هذه الحملات وتوسع دائرة المطلوبين وتورط الأجهزة الأمنية في تعقيدات و مضاعفات ونتائج عكسية على غرار تورط الأمريكيين أنفسهم في مضاعفات حملتهم المعلنة ضد الإرهاب في العالم ؟ افليس من واجب الكبار إن يتفهموا نزعات الشباب ومواقفهم وان يبحثوا عن صيغ للتواصل معهم والتأثير على مسارهم غير صيغ التهديد والحبس والترهيب ؟ كيف نتوقع تفاعل شبابنا مع الدعوات اليومية المنطلقة من الفضائيات العربية ووسائل الإعلام المختلفة بما في ذلك صحف يومية تونسية تستنهض الهمم في مواجهة الأخطار الجمة المحدقة بالأمة وتشيد بالمقاومة الباسلة في فلسطين والعراق ؟ افليس محيرا حقا أن نسمع عن طالب بالجامعة أو تلميذ بالثانوية أو شاب في مقتبل العمر وفي بداية مشواره في الشغل ، يغادر المنزل فجأة بلا رجعة ، أو يتطلع إلى الانخراط في عمل على غاية من الخطورة خارج البلد دون أن يفاتح والده أو والدته أو أحد من أفراد أسرته حول الموضوع ـ ناهيك إذا كان الوالد من النشطاء السياسيين أو الحقوقيين أو مثقفا مهموما بالشباب العربي والوضع الدولي على طريقته ؟

إن هذه الأسئلة المحيرة حقا حول هذا الصنف من الشباب من رواد المساجد وغيرها من الأسئلة التي يمكن أن تطرح بل يجب أن تطرح حول الشباب الذين يركبون قوارب الموت بحثا عن آفاق للعمل خارج البلاد، وحول الشباب الذي تضعف فيه بواعث الدراسة ومواصلة المشوار العلمي أمام انسداد آفاق التشغيل، وحول الشباب الذي تضنيه البطالة المطولة فيستسلم للمخدرات واللامبالاة بالحياة، أو تستهويه مسالك العنف والجريمة …..كلها أسئلة تجعلنا جميعا أمام مسؤولية كبيرة ومنعطف خطير إذا فكرنا بمستقبل مجتمعنا وأجيالنا .

 محمد القوماني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(المصدر: موقع pdpinfo.org  نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 317  بتاريخ 17 جوان 2005)

 

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: