محمد القوماني: لا حظوظ لقانون المساواة في الميراث و«النهضة» لن توافق على الصيغة التي اقترحها السبسي

 

قال إنه يسيء لصورة تونس في العالم الإسلامي واستبعد حدوث اضطرابات اجتماعية في البلاد

حاوره: حسن سلمان:

Aug 24, 2018

 

تونس – «القدس العربي»: قال محمد القوماني عضو المكتب السياسي لحركة «النهضة» إن مشروع قانون المساواة في الميراث الذي سيعرضه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي على البرلمان لا يملك أية حظوظ للمصادقة عليه في صيغته المقترحة، كما نفى وجود أي انقسام داخل الكتلة البرلمانية للحركة حول المشروع المذكور، مشيرا إلى أن وجود إجماع داخل «النهضة» حول الموقف الرافض للرؤية التي طرحها قائد السبسي حول موضوع الميراث في خطابه الأخير.
وأشار، من جهة أخرى، إلى وجود تناقض كبير في الرؤية التي قدمها الرئيس التونسي حول موضوع الميراث، وخاصة فيما يتعلق باعتماد نظام مزدوج (القسمة بالمساواة أو القسمة بالشريعة)، مشيرا إلى أن قائد السبسي أغضب بهذه المبادرة جميع الأطراف (أنصار التيار الديني والمدني). كما اعتبر أن مشروع القانون المقترح يسيء لصورة تونس في العالم الإسلامي، لكنه استبعد – في المقابل- حدوث اضطرابات اجتماعية في حال المصادقة على المشروع في البرلمان.

*السبسي يراوح مكانه

وفي حوار خاص مع «القدس العربي»، قدم القوماني قراءة سريعة لخطاب قائد السبسي الأخير، مشيرا إلى أن الرئيس التونسي «راوح مكانه ولم يتقدم بمسار الحقوق الفردية والمساواة ما بين خطابي 2017 و2018. فقد اكتفى بإعلان عزمه على تقديم مبادرة تشريعية لإقرار المساواة بين الذكر والأنثى في الإرث. وهو بذلك بقي في مستوى النية فقط، ولم يقدم بعد مشروع قانون في الغرض. وإذ شدّد على حرصه على تطبيق الدستور، وهذا أمر محمود، فإنّه قفز في خطابه على توطئة الدستور التي عبرت عن «تمسك شعبنا بتعاليم الإسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال»، والفصل الأول منه الذي ينصّ على علاقة الدولة بالإسلام بصيغة توافقية اعتمدت في 1959 و2014. وركز الرئيس خطابه على الفصل الثاني الذي ينصّ على مدنية الدولة نافيا أيّة علاقة للدستور والقوانين بالدين والقرآن».
وأضاف «وبذلك تراجع الرئيس عن منحى خطابه المكتوب في 13 أوت (آب) 2017 والذي أطّر فيه توجهه في مسألة المساواة ضمن ما أسماه «تأسيسا للعقد المجتمعي التونسي بما لا يتنافى في شيء مع تعاليم الإسلام السمحة نصّا وروحا». وتبنى في خطاب 13 أوت (آب) 2018 تأويلا أحاديا للدستور وتجاهل أهمية الفصل الأول الذي نصه أنّ «تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها». ومثلما أنّ «الجمهورية نظامها» الذي أتبع بضمير الهاء والذي لا يقبل التغيير، له أثر حُكميّ. فإنّ ضمير الهاء نفسه في «الإسلام دينها» له أثر حُكميّ أيضا. وكما يعود نظام الجمهورية على الدولة يعود دين الإسلام أيضا. وهذا رأي تعزّزه التوطئة وفصول أخرى من الدستور تُقرأ في تكاملها وتُؤول كوحدة منسجمة كما ورد بالفصل 146. ويختلف هذا الرأي مع رأي آخر تبناه الرئيس يعتبر الإسلام من باب الوصف للشعب وإقرار الواقع ولا صفة حكمية له. وهذا رأي معروف قبل الثورة وبعدها وهو أقليّ في الواقع. وربما خضع الرئيس لضغوط من الموالين له سابقا من المثقفين خاصة، فانزاح عن توجهاته الأولى في محاولة لإرضائهم واستعادة ولائهم في أفق الاستحقاق الانتخابي لنهاية سنة 2019، لكنه لم يفلح في هذا المسعى على ما يبدو من ردود أفعالهم على الخطاب الأخير».

*اختزال مقترحات لجنة المساواة

ويرى بعض المراقبين أن الرئيس التونسي «اختزل» مقترحات لجنة المساواة في موضوع الميراث الذي ضمّنه مشروع القانون المزمع تقديمه للبرلمان، معتبرين أن قائد السبسي يسعى إلى تحقيق «نصر انتخابي» جديد دون إغضاب فئة كبيرة من التونسيين ترفض بقية مقترحات اللجنة المتعلقة بتجريم المثلية والمساواة بين الأبناء الشرعيين و»غير الشرعيين» وغيرها.
وقال القوماني «الرئيس لم يقدم بعد مشروع قانون بل أعلن توجهه إلى تخيير التونسيين في الموضوع، فقد تبنّى أحد مقترحات اللجنة في التخيير بين القسمة بالمساواة أو القسمة بالشريعة وفق قاعدة «للذكر مثل حظ الأنثيين»، وفي هذا التوجه مخاطر ورسائل بالغة الخطورة. فهو اعتماد لنظام مزدوج ومسّ من وحدة التشريع التي تعدّ من مكاسب الجمهورية. وهو انتكاسة وعودة إلى التقابل بين المدني والديني. وهو تخيير يجعل «القانون الوضعيّ» في تعارض مع «شريعة الله تعالى»، وفي ذلك إحراج للمؤمنين، ورسالة سلبية تدعم ادّعاء المتشدّدين والإرهابيين بأنّ نظام الحكم يخالف الإسلام، فضلا عمّا في ذلك من إساءة لصورة تونس في العالم الإسلامي وجعلها عرضة للانتقاد والتشهير. بل اعتبر البعض التخيير تخلّ من الباجي عن البورقيبية والدولة المدنية لأنه اعترف بقانون «ديني» إلى جانب القانون المدني. وهكذا كانت النتيجة عكسية على ما يبدو. فقد أغضب الرئيس الجميع على اختلاف مواقفهم في الموضوع، وبدا عليه تخبّط واضح وهو يحاول الإقناع بمبادرته ويسترضي أطرافا مختلفة».
وأضاف «إضافة إلى ما في مقترح التخيير من محاولة للتوفيق في الظاهر وتوحيد المجتمع، وما فيه من مراوغات تكتيكية في الحقيقة. فالمقترح كما جاء بالصفحة 182 من التقرير يجعل القسمة بالمساواة مبدأ والقسمة المعتمدة الآن استثناء. لأنها مشروطة باختيار صريح لها من المورّث «في قائم حياته». أي أنّ المقترح يفرض المساواة في الإرث قانونا، لأنّه لا معنى للإرث إلاّ بعد هلاك صاحب التركة، وأمّا الوصيّة في الحياة فلا تندرج ضمن نظام الإرث. فضلا على أن تصرّف الحيّ في أمواله من حقوقه المكفولة في القانون الحالي. وهذا ما جعل البعض يتندّرون باعتبار الأغلبية المسلمة في تونس «أقلية» في القانون. والأصل أن يستمر العمل بقانون الإرث الحالي المستند إلى القرآن، ويفتح مجال لمراعاة من لا يرغبون في التقيد بذلك. وهذا متاح الآن إذا جرت القسمة في حياة صاحب المال ويمكن تطوير الصيغة في التركة. وإذا كانت المساواة قانونا من «واجب الدولة» كما ورد بنص الخطاب مكتوبا والقسمة بالشريعة وفق قاعدة «للذكر مثل حظ الأنثيين» من باب «حرية الفرد»، فلماذا لا نعمّم ذلك على مسائل أخرى مثل أصناف الزواج وتعدّد الزوجات وغير ذلك مما يفتح الارتداد وضرب المكاسب».
ويرى القوماني أن الرئيس الباجي قائد السبسي «اختزل» واجبه الدستوري في تحقيق المساواة على موضوع الميراث و»تجاهل مجالات حيوية أخرى على غرار تطلّع التونسيات والتونسيين إلى المساواة خاصة في تكافؤ الفرص وبين الجهات. وليست النتائج الكارثية لبعض المؤسسات التربوية بجهة القصرين في السنة الدراسية الأخيرة سوى مثالا على ذلك. كما أنه اكتفى بإعلان عزمه على تقديم مبادرة تشريعية لإقرار المساواة في الإرث، وتخلّى عمليا عن مضمون تقرير اللجنة التي شكلها للغرض، والذي توسّع في الموضوع واقترح مشروع «مجلة الحقوق والحريات الفردية» ومشروع «قانون أساسي يتعلق بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة وبين الأطفال». وهذا ما أغضب أوساطا واسعة رحبت بتقرير اللجنة وعلّقت آمالا على خطاب13 أوت (آب) 2018».

*قانون الميراث سيمر من البرلمان

وكان بعض المراقبين أن مشروع القانون الذي سيقترحه الرئيس التونسي حول الميراث، يمتلك حظوظا كبيرة داخل البرلمان، على اعتبار إعلان عدد من الأحزاب دعمها للصيغة التي اقترحها قائد السبسي (النظام المزودوج) في خطابه الأخير.
إلا أن القوماني يرى أنه «لا حظوظ للمصادقة (داخل البرلمان) على مشروع قانون يغيّر أحكام الميراث في الاتجاه المعلن من قبل لجنة الحقوق الفردية والمساواة أو خطاب رئيس الجمهورية الأخير. فقد أخطا الرئيس المداخل والرسائل والوسائل. وحركة النهضة ستتفاعل إيجابيا مع مشاريع رئيس الجمهورية وفق الآليات الحزبية والبرلمانية المعروفة. فإذا كان المشروع توافقيا أو خضع لتعديلات تجعله توافقيا وغير متعارض مع الدستور ولا يمس من عقيدة الشعب أو مشاعره الدينية، وفي الوقت نفسه يدعم حقوق النساء وتمكينهن ويستجيب لتطور مجتمعنا، فإنّ كتلتنا ستصوت عليه. وإذا كان المشروع خلاف ذلك فلن نصوّت عليه. ولكل حادث حديث، لكن المؤكد أنّ موقف كتلة النهضة سيكون موحدا». كما استبعد حدوث اضطرابات اجتماعية في حال المصادقة عليه، مضيفا «لا أظن أن الاحتجاجات تتجاوز ما يكفله القانون من حرية التعبير، ونحن سنحرص على أن تظل الأمور في حدود الاختلاف المقبول».
وحول وجود «انقسام» داخل الكتلة البرلمانية لحركة النهضة حول مشروع القانون المذكور، قال القوماني «لا وجود لانقسام داخل حركة النهضة حول الموقف من المساواة في الإرث. بل بالعكس الموقف الرافض لتوجه الرئيس في الموضوع وحّد قيادات الحركة وأنصارها أكثر من قبل، ووسع الالتقاء معها إلى عموم الإسلاميين أو بالأحرى المحافظين من التونسيات والتونسيين. وسيكون موقف نواب كتلة النهضة موحدا في التصويت على مشروع القانون حين يعرض على الجلسة العامة بالبرلمان».
واستدرك بقوله «وإذا وجد اختلاف فهو يتعلق بنبرة الخطاب والحجج المستعملة في الرفض، فحزب النهضة على غرار بقية الأحزاب توجد فيه عناصر أكثرا تحرّرا أو أكثر محافظة. والموقف من قضايا الأسرة على سبيل المثال قد يخلق اختلافات تتجاوز المستوى السياسي وقد يخلق فوارق نسبية داخل الحزب الواحد. فضلا على أنّ العلاقة برئيس الجمهورية والتوافق معه من عدمه وصيغ التخاطب معه قد تفسر وجها من الاختلاف بين قيادات بحزب النهضة. وهذا اختلاف سياسي في الأساس وليس اختلافا حول المساواة في الإرث».

http://www.alquds.co.uk/?p=1001252

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: